خذو الحكمة من افواه المجانين

الحكمة ضالة المؤمن والبحث عنها في كل مكان, وفي هذا الزمان علي الناس أن يتحلوا بالحكمة لحاجتنا الشديدة لها, قال محمد بن اسماعيل بن أبي: فديك سمعت بهلولا ( مجنون ) في احدي المقابر وقد دلي رجله في قبر وهو يلعب في التراب فقلت له ما تصنع ها هنا ؟ فقال أجالس أقواماً لا يؤذونني وإن غبت عنهم لا يغتابونني, فقلت غلا السعر فهلا تدعو الله فيكشف, فقال والله لا أبالي ولو حبة بدينار, أن الله تعالي أخذ علينا أن نعبده كما أمرنا وعليه أن يرزقنا كما وعدنا, ثم صفق بيديه وأنشد يقول:
يا من تمتـــــع بالدنيا وزينتها **** ولا تنام عن الملذات عيناه
شغلت نفسك فيما لست تدركه **** تقــــول لله ماذا حيــن تلقاه
علي بن ربيعة الكندي قال خرج الرشيد الي الحج فلما كان لظاهر الكوفة إذ أبصر بهلولا علي قعبه وخلفه الصبيان وهو يعدو فقال من هذا قالوا هذا بهلول المجنون, فقال اشتهي أن اراه فأدعوه من غير ترويع, فقالوا أجب أمير المؤمنين, فعدا علي قعبته, فقال عليك السلام يا أمير المؤمنين, كنت اليك بالاشواق قال لكني لم اشتق اليك قال عظني يا بهلول, قال وبما اعظك هذه قصورهم وهذه قبورهم قال زدني فقد احسنت, قال يا أمير المؤمنين من رزقه الله مالا وجمالا فعف في جماله وواسي في ماله كتب في ديوان الابرار فظن الرشيد انه يريد شيئا فقال أمرنا لك أن تقضي دينك, فقال لا يا أمير المؤمنين لا يقضي الدين بدين. أردد الحق علي اهله وأقض دين نفسك من نفسك. قال فانا قد أمرنا أن يجري عليك , فقال يا أمير المؤمنين أتري الله يعطيك وينساني؟ ثم ولى هاربا.
والله تلك اروع ما سمعت من حكم ومواعظ ولكن اين نحن الآن فإذا كان مجانين تلك الفترة هم بهذا الفهم والزهد في الدنيا والرغبة في عيش دار القرار وصدق المصطفي حين قال خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم تبدر شهادة أحدهم يمينه وتبدر يمينه شهادته وحقيقة في كل عام ترزلون ...
تغير الزمان والانسان فما عادت تؤخذ الحكمة من افواه المجانين وانما من افواه المساطيل ...