ابو الجـعافـــــــــر

حماة بسعر التكلفة

من فرط تكرار النكات والحكايات عن الحموات وحشرهن لأنوفهن في شؤون الزوجين، صار الكثيرون مقتنعين بأن الحماة كائن بملامح بشرية ولكنه يختلف عني وعنك في الطباع ويتسم بالشراسة والوحشية، وهكذا قد تجد شابا يكنّ حبا شديدا لخالته أو عمته ويجد فيها إنسانة رؤومة وودودة، يودعها أسراره ويلجأ إليها في لحظات الزنقة، ولكن ما إن يتزوج ببنتها حتى يبدأ في الوسوسة ويذكِّر نفسه بأن تلك العمة أو الخالة الحبوبة صارت حماة وبالتالي «غولة»، فتنقلب المودة التي كان يكنها لها إلى سوء ظن.
بالتأكيد هناك حموات على درجة عالية من «الحشرية» ويتسببن في خراب بيوت عيالهن، ولكن وفي الغالب الأعم فإن الحماة وبحكم أنها «أم»، وهو أرفع لقب عرفه الجنس البشري، تكون حريصة على نجاح زواج ابنها أو بنتها إلى درجة أنها تقف «ضده، ضدها» في بعض الأحيان..
البريطاني ستيف أوين يعترف بأنه شخص «مبهدل» في مظهره وبيته (هناك قواسم مشتركة بين ستيف والكثير من الأزواج، وأنا منهم، ولكنني لا أتعرض للبهدلة من قبل حماتي.. بل زوجتي، فهي تحب النظام والترتيب، وبما أنها الآن في السودان فأستطيع أن أعترف بشجاعة وجرأة بأن غرفة النوم الرئيسية في بيتنا تشبه الآن شوارع مقديشو.
المهم أن ستيف هذا يبلغ من العمر 42 عاما وحماته كارولين ألين تكبره بثماني سنوات، وهي أميركية ولكنها لم تُطق البعاد عن بنتها فباعت بيتها في أميركا وانتقلت إلى بيت اشترته في داربي بإنجلترا حيث تقيم بنتها المتزوجة بستيف أوين، وكلما زارت بنتها وجدت البيت يشبه «الخرابة»: الأشياء مبعثرة في كل مكان ويصعب التمييز بين المطبخ وغرفة النوم، وكأم وحماة تريد الخير لبنتها وزوج بنتها صارت تتولى ترتيب بيتهما، وتنصح ستيف على وجه الخصوص أن يهتم بمظهره وملابسه.. فطفح الكيل بستيف ولجأ إلى موقع إي باي eBay المتخصص في المزادات على الإنترنت وعرض حماته «للبيع» بعد أن قال إنها وحيدة وشكلها لا بأس به، وطلب عروضا للتخلص من حماته تبدأ بجنيه واحد.. وقد احتجت الحماة كارولين قائلة إنها جميلة وليست فقط «لا بأس بشكلها» وتعجبت لماذا لم يجعل السعر الأدنى مئة جنيه!!
وطالما نحن في أمر النساء أدعوكم إلى الانتقال معي إلى ولاية مهاراشترا الهندية حيث أجازت السلطات التعليمية كتابا للقراءة للصف الثالث الإعدادي جاء في أحد فصوله: هناك شبه كبير بين المرأة والحمار، (مصدر هذه المعلومات مجلة تايم الأميركية).. لعلك تقول: شيء مستهجن وقبيح إيجاد أوجه شبه ومقارنة بين المرأة والحمار! زين يا صاحبي وماذا عن قولك: لا مؤاخذة.. الله يعزك.. كلما جاء ذكر الزوجة أو الحمار أو الحذاء؟ بل ربما تكون من النوع الذي يستعرّ من كلمة «زوجة» ويستبدلها بمفردات مثل «الجماعة/ المَرَه/ أم العيال/الأهل»،.. ثم لماذا يتمنى البعض لو تنشق الأرض وتبتلعه عندما يكون واقفا في طابور أمام موظف رسمي ويسأله عن اسم زوجته أو اسم أمه؟

زاوية حادة
جعفر عباس
عربي رغم أنفي؟ لا،.. سوداني؟ بالحيل
قبل أيام قليلة استوقفني فوزي بشرى وهو صحفي سوداني شاطر يعمل في قناة الجزيرة، وسألني ما إذا كان حديثي المتكرر عن أنني نوبي يسهم في إذكاء النعرات الإقليمية والقبلية،. وفوزي هذا أصلا من كردفان ولكن أهله "اغتربوا" في سنجة، فصار يعاني من ازدواجية الولاء الاقليمي،.. سؤاله استفزني، وفكرت في أن أطوق رقبته وأخنقه بيدي، ولكنني تذكرت أنه أقوى مني بنية، وأن به نزعات ارهابية لمستها في غضباته عندما يحاول شخص ما ان يدوس "على طرفه": بقى يا سيد فوزي حكوماتنا تعك ومعارضاتنا تجك، كلٌّ لتوسيع قاعدة تأييدها، ثم تتساءل ما إذا كنت أسهم في تعزيز النعرات الاقليمية؟ هل انا الذي رسمت الاطلس السكاني وقلت لأهل كل منطقة انتم دينكا وانتم مسيرية وانتم دهمشية وانتم هامشية واولئك بني جعل؟ هل انا مؤسس جبهة نهضة دارفور وصاحب وعد بلفور السوداني؟ ثم سألني ود بشرى: هل انت فعلا معتز بأنك محسي؟ قلت له انني وكلما تذكرت انني محسي صليت ركعتين شكرا لله!! كان واضحا انه يبحث عن "شكلة" فقد استفزته إجابتي تلك وقال: انت تعتبر نفسك عربي ام أفريقي؟ في ذمتكم هل هناك سؤال أسخف من هذا؟ تقول لشخص ما انك نوبي وسعيد وفخور بذلك فيسألك ما إذا كنت عربيا؟.. وعهدي بفوزي انه حاضر البديهة ولماح، ولكن يبدو انه كان يومها تحت تأثير الطعام الفاخر الذي تناوله في كافتيريا قناة الجزيرة، فالقروي إذا أكل طعاما غير اللغاويز المعتادة من ويكة ومفروك بالكسرة، يصاب باضطرابات ذهنية مؤقتة!! قلت: اللهم طولك يا روح، وأجبته بأن انتمائي لأفريقيا كان دائما أقوى من انتمائي العربي، وأنني ومنذ ان وعيت الاشياء حولي وأنا أتعاطف كلية مع نضالات شعوب افريقيا لنيل الحرية، وان "أبطالى" في مرحلة الشباب كانوا نكروما (غانا) وسامورا ماشيل (موزمبيق) واوغستينو نيتو (انجولا) ومانديلا (جنوب افريقيا) ولوممبا (الكونغو) وسيكوتوري (غينيا)،.. وأضفت انني بالتأكيد عربي الانتماء بدرجة او بأخرى ولكن "بالتجنس"، وأنني أكثر تشددا من معظم العرب في الدفاع عن حقوقهم!! أتعرفون ماذا كان تعقيب فوزي: والله كضاب.. انت عربي وعواطفك عربية وثقافتك عربية!! في ذمتكم أليس هذا من قبيل ان تقول لأحدهم انك تعاني من إسهال فيقول لك انك تعاني في واقع الأمر من إمساك!! أو أن تقول إنك مريخابي فيرد علىك محدثك: ما ممكن، شكلك كده موردابي!! ومثل هذا الكلام عندنا كثير، فقد تختلف مع شخص ما فيصيح غاضبا: على بالطلاق بالتلاتة انت ما راجل!! ماذا تفعل مع شخص كهذا؟ عندي الحل: تذهب الى القمسيون الطبي وتطلب منهم اجراء فحص شامل لك ومنحك شهادة ذكورة، ثم تذهب الى بيت صاحبنا الذي أفتى بعدم رجولتك في غيابه، وتقدم الشهادة الى زوجته وتطلب منها ان تقرأها،.. طبعا ستمد يدها الى الشبشب او المقشاشة او الكمشة لتضربك على وجهك لأنها ستسيء بك الظن،.. وهنا عليك ان تبتعد عنها الى مسافة آمنة ثم تقول لها: الشهادة دي ورقة طلاقك،.. قومي أمشي أهلك!! وأعود الى فوزي وأقول ان سر انفعاله أنه قرأ في مكان ما ان مجموعة من النوبيين يدعون الى قيام دولة نوبية مستقلة، ويعتقد انني مسؤول الى حد ما عن شحن النوبيين عاطفيا كي يشعروا بالتميز وينادوا بكيان منفصل لهم!! هب ان ذلك صحيح،.. وأنا مالى؟ ثم ان مسألة تقرير المصير صارت موضة في جميع انحاء السودان، فلماذا العجب اذا طالبت مجموعة نوبية بمثل ما تطالب به تجمعات مناطقية او قبلية أخرى؟ أنا شخصيا سأظل متمسكا بسودانيتي وباسم السودان حتى لو بقي بيتي هو المنطقة الوحيدة التي لم تنل الحكم الذاتي او تمارس حق تقرير المصير!! استغفر الله، ففي واقع الأمر فإنني قررت مصيري في مرحلة مبكرة من العمر بالانتماء الكامل للسودان "بالكامل"، يعني سأقاوم محاولات فصل أي جزء من السودان بكل ما أوتيت من إمكانات، أما إذا تم تطبيق نظام حكم فيدرالى عادل وموضوعي فإنني سأكون في طليعة المطالبين بان تكون للنوبيين ولاية خاصة بهم حدودها الجنوبية القدار (الغدار)، والشمالىة حلفا، وعندها سنحيل منطقتنا الى كلفورنيا افريقيا والحشاش يملأ شبكته.

المهم أنني ضد أي تحرك يهدف الى فصل أي جزء من السودان عن الوطن الأم، أقول هذا وأنا مقتنع على مضض بأن الجنوب "استثناء" وأنه عومل لقرابة قرن كامل على أنه كيان ليس كامل الانتماء الى "السودان"، ولكنني مستعد للمشاركة في أي جهد غير عسكري لمنع انفصال الجنوب!! يا جماعة الوطن ليست قعدة سكر تنسحب منها لأنك "واقف" من الشرب او "تبت"،.. وهو ليست ختة (صندوق) تنسحب منها لأنك لم تنل "الصرفة" الأولى، أو حتى لأنك لا تملك الاستمرار فيها لأسباب مالىة!! حتى مشجع نادي الهلال لا يطاوعه قلبه على الانفصال عن ناديه وتحويل عواطفه الى نادي أبوروف،.. هناك من يتحدثون بحماس عن بناء اوطان جديدة على اشلاء الوطن الأم وكأنهم يتحدثون عن بناء راكوبة!! ويا جماعة أنا محسي دنقلاوي وأحمد الله على ذلك، ولكنني هدندوي الهوى وقتيل عشق كردفان والزغاوي كأخي في الرضاع وأحب قرنق وياسر عرمان، وعلى محمود حسنين وفاروق كدودة وأهل ام كدادة، وبكري عديل، والطيب مصطفى (الاتصالى بحكم المهنة، والانفصالى بحكم الاختيار السياسي)، وعز الدين السيد وبدر الدين مدثر.. وأحب كسلا والدناقلة شمال! ولا غرو، فأنا حفيد محمد نورالدين وجمال محمد احمد ومحمد توفيق وداؤود عبد اللطيف ومحمد احمد على وابراهيم احمد ومحمد ابراهيم ابو سليم ونجم الدين شريف... كريم النسب وعظيم الحسب، ولا يليق بي أن أخون أمانة الحفاظ على السودان الموحد الذي وضع أجدادي أساسه ورأسه.

زاوية حادة

عند سعد الخبر اليقين

يعرف كل متابع للتاريخ التعليمي النظامي في السودان، أن الشيخ المصري المعروف رفاعة رافع الطهطاوي، هو مؤسس أول مدرسة أولية في الخرطوم (حيث برج البركة الآن)، وعجبت لأنني وجدت في كتاب الأستاذ سعد محمد احمد سليمان «الخرطوم عبر العقود» قصيدة للطهطاوي لم يترك لنا فيها جنبا نرقد عليه.. فقد شتم بلادنا شتيمة الأراذل:
وما السودان قط مقام مثلي# ولا سلماي فيه ولا سعادي
(يعني ليس فيها بنت تملأ عينه)

بها ريح السموم يشم منه # زفير لظى فلا يطفيه وادي
(معاه حق في هذه)

عواصفها صباحا او مساء # دواما في اضطراب واضطراد

ونصف القوم أكثرهم وحوش # وبعض القوم أشبه بالجماد

(لو كنت أعلم بأمر هذا البيت الشعري لما بذلت الجهد في المقالين السابقين في هذه السلسلة لأثبت أن أهلي النوبيين أول من سكن الخرطوم!)

فلا تعجب إذا طبخوا خليطا # بمخ العظم مع صافي الرماد
(لم أسمع بأكلة كهذه)
ولطخ الدهن في بدن وشعر # كدهن الإبل من جرب القراد
(يقصد الودك ومعه حق)
ويضرب بالسياط الزوج حتى # يقال أخو البنات في الجلاد
(هذا البيت يخص الجعليين)
ولولا البعض من عرب لكانوا سوادا في سواد في سواد (لو كان الطهطاوي حيا لمسحت به الأرض على هذا الكلام البايخ في حقنا نحن الذين لسنا أولاد عرب)
وحسبي فتكه بنصف صحبي كأن وظيفتي لبس الحداد (نصيف كان مرافقا للطهطاوي وقرضته الملاريا ولكنه يقول إن السودان هو الذي فتك به)

حقيقة الأمر ان الطهطاوي وقع لاحقا في غرام السودان، وسر المرارة في قصيدته هذه أنه أتى الخرطوم منفيا من قبل الخديوي ومعه 11 مدرسا وطبيبا، وبالتالي لم يتحمس الحاكم التركي في الخرطوم لمشروع المدرسة في بادئ الأمر.

وعزاء القراء أن شاعرا مطبوعا وليس ناظما مثل الطهطاوي، هو علي الجارم زار السودان عام 1941 وكتب عنه إحدى أجمل قصائده:
يا نسمة رنَّحت أعطاف وادينا/ قفي نحييك أو عرجي فحيينا/... أثِرت يا نسمة السودان لاعجة/ وهجت عش الهوى لو كنت تدرينا/ (ثم يصف القاطرة وهي تشق المناطق المحاذية للنيل) تشق جامحة غلب الرياض بنا/ كالبرق شق السحاب الحُفَّل الجونا/ كأنهن العذارى خفن عاذلة/ فما تعرضن إلا حيث يمضينا/.. قف يا قطار فقد أوهى تصبرنا/ طول السفار وقد أكْدتْ قوافينا/ وقد بدت صفحة الخرطوم مشرقة/ كما تجلى جلال النور في «سينا»/ جئنا إليها وفي أكبادنا ظمأ/ يكاد يقتلنا لولا تلاقينا/ يا ساقي الحي جدِّد نشوة سلفت/ وأنت بالجبنات الحمر تسقينا/ وأصدح بنونية لما هتفت بها/ تَسَرَّق السمع «شوقي» و»ابن زيدونا»/ واحكم اللحن يا ساقي وغن لنا/ إنا محيوك يا سلمى فحيينا.

تعريفات طريفة قد تكون غير سليمة

جعفر عباس

أجمل ما في البريد الإلكتروني أنه صار أداة لتبادل المواد الطريفة والخفيفة واللطيفة، (آخر طرفة عن كسل السودانيين -وهم كسالى طالما هم أعضاء في الجامعة إياها- تقول إن سودانيا طلب من زوجته أن ترسم خطوطا طولية على ظهره، فلما فعلت ذلك قال لها ارسمي الآن خطوطا أفقية، فلما فرغت من المهمة سألها: شنو حصل في ظهري؟ فقالت صار فيه 24 مربعاً، فطلب منها ترقيم المربعات من 1 إلى 24، وبعد أن فعلت ذلك قال لها ضعي إصبعا في كل مربع وانطقي برقمه، ولما وصلت إلى الرقم أربعة صاح فيها: بس وقفي في 4 عندي فيه أكلان حُكِّيه!) ومن طريف ما وصلني مؤخرا مجموعة من التعريفات الحلوة، ومنها أن السيجارة لفافة من تبغ في أحد طرفيها نار وفي طرفها الآخر حمار، وأعتذر للمدخنين لأن «حمار» هذه من عندي ولجأت إليها لزوم السجع، وبالمناسبة فقد أصدرت وزارة الصحة البريطانية تحذيرا مؤخرا بأن التدخين يسبب العجز الجنسي حتى لمن هم في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، فلا تدخن -على الأقل في العلن- حتى لا تثور الشبهات حولك!!.. الحل الوسط هو أن تقوم بتقسيم كعكة فيحسب كل واحد أنه فاز بالنصيب الأكبر، وقاعة الاجتماعات هي المكان الذي يتكلم فيه كل شخص ولا يصغي فيه أحد لما يقال، ومن ثم يخرج الجميع وهم على خلاف، والابتسامة خط متعرج يجعل أشياء كثيرة مستقيمة.. والمكتب هو المكان الذي تستطيع أن ترتاح فيه من عناء الحياة المنزلية، أما التثاؤب (هذه قوية) فهو الفرصة الوحيدة للرجل المتزوج لفتح فمه، والعبارتان «إلخ» و«هلم جراً» تهدفان إلى ترك انطباع بأنك تعرف الكثير.. واللجنة تتكون من أشخاص لا يستطيعون عمل شيء بمفردهم، ويجتمعون ليكتشفوا أنهم لا يعرفون شيئا كمجموعة.. والمحاضرة هي فن تمرير المعلومات من مفكرة المحاضر إلى آذان الطلاب دون أن تمر بعقل أي من الطرفين.. الخبرة هي اسم الدلع للأخطاء، بدليل أنك تجد «طراطير» يشغلون مناصب رفيعة رغم أن الكل يعرف كيف وكم أخطؤوا، ويكون تبرير بقائهم أنهم من ذوي الخبرة.. والبخيل هو الشخص الذي يعيش فقيرا كي يموت غنيا، وبالمناسبة فإن عيالي يتهمونني بالبخل كلما رفضت أن أشتري لهم أشياء أرى أنها كماليات باهظة الثمن وعديمة الفائدة، ومثل كل الآباء أردد العبارة السخيفة: أنا تعبان وشقيان من أجلكم، وكل الفلوس التي أوفرها عشانكم.. وملت ابنتي مروة من هذا الكلام المعاد وقالت لي ذات يوم: خلينا نبحبح هسع (الحين) وبعد ما تموت حنتصرف! كلام مر ولكنه لا يخلو من منطق، فما معنى أن تحرم عيالك من أشياء يشتهونها بحجة أن قيمتها ستكون ذخيرة لهم في المستقبل؟
نواصل التعريفات الذكية: المدير شخص يأتي إلى العمل متأخرا عندما تذهب إليه أنت مبكرا، ويأتي مبكرا في المرة الوحيدة التي تتأخر أنت فيها، والسياسي شخص يهز يدك أثناء الانتخابات ويهز ثقتك بعدها.. والدبلوماسي يقول لك اذهب إلى الجحيم بطريقة تجعلك تتلهف إلى الجحيم.. والمجرم شخص مثلي ومثلك ولكنه سيئ الحظ فوقع في قبضة الشرطة، والقنبلة الذرية هي الاختراع الذي سيضع حدا لكل الاختراعات

القفف والإمّعات

جعفر عباس

أحيانا تطّلع على أقوال تهزك هزا وترجّك رجا.. تجعلك تفكر وأنت منتشٍ أو متعجب.. وقد حبا الله البعض القدرة على «كبسلة» الأفكار، أي جعلها كبسولات سهلة البلع والهضم، وتجد تلك الأفكار والحكم هوى في نفسك، ولكن أكثر ما يثير دهشتك هو أنك تتفق معها، ولكن غيرك قام بصوغها في قالب مستساغ.. انظر مثلا مقولة إن الإنسان الذي لا رأي له كمقبض الباب يستطيع أن يديره كل من يشاء.. هل هناك وصف أبلغ من هذا –على بساطته– للشخص الإمّعة الذي يسير مع القطيع، حتى وهو مدرك أن القطيع على خطأ؟ في السودان نسمي مثل ذلك الشخص «قُفَّة»، والقفة هي السلة المصنوعة من سعف وجريد النخل أو أي نوع آخر من النبات، وللقفة أذنان (مقبضان)، وتستطيع أن تسحبها وتجرها إلى حيث تشاء لأنها بلا حيلة.. وكثير من الناس قفف يتصرفون كالحمار الذي يترك لمن يمسك باللجام التحكم في حركته واتجاه سيره، بل إن الكثير من الحمير تتمتع بـ«شخصية» وترفض إطاعة راكبها. في أول قفزة برجوازية في حياتي أهداني خالي، وكان مزارعا، حمارا (بمعنى الكلمة) وأنا طالب في الصف الثالث الابتدائي، ومن فرط عناده كان ذلك الحمار يسير إلى الخلف (ريوس - ريفيرس)، وذات يوم كنا قد اقتربنا من المدرسة ولكنه فجأة غيّر اتجاهه وجرى بي حتى دخل عيادة البلدة الطبية، المكونة من غرفة واحدة، وشكاني الممرض المسؤول إلى إدارة المدرسة ونلت عقابا جسديا قاسيا ولكنني انتقمت من الحمار بحرمانه من العلف ليوم كامل.
وفي دنيا البشر، تُفاجأ بأن صبياً في العائلة يدخن التبغ أو يتعاطى المخدرات أو المسكرات ويقول دفاعا عن نفسه: الله يجازي أولاد الحرام، ورفاق السوء، فهم من استدرجني إلى ذلك!.. هنا ينبغي أن تقول له: لا، لقد حدث ما حدث لأنك «قفّة».. أُكرة، مقبض باب.. لا رأي لك ولا شخصية، وأنت بحالتك الراهنة رفيق سوء لغيرك.. كثيرا ما نسمع في المحاكم شخصا متهما بقتل أو نهب مسلح أو اتجار بالمخدرات أو أي كبيرة من الكبائر يقول دفاعا عن نفسه : الشيطان هو الذي أوعز لي بذلك.. وتعقبها نوبة بكاء! يا غبي.. يا ضعيف الإيمان والإرادة، لو كان بقية الناس مثلك يتلقون أوامرهم من الشيطان ويقولون له: سمعاً وطاعة! لهلك نصف البشر قتلاً وعاش النصف الآخر بعاهات في خوف مقيم.. ضعاف النفوس وناقصو العقل والقاصرون فكريا دائما يبحثون عن شماعة.. وإبليس ورفاق السوء شماعتان ولكن من يعلق عليهما أعماله، يكون قد قبل بنشر غسيله القذر أمام الملأ، وهناك مثال كلاسيكي لذلك أوردته في أكثر من مقال عن سائق سيارة بيجو كان ينقل بها الناس من القاهرة إلى القرى والبلدات المجاورة، وظل يقود سيارته جيئة وذهابا لعدة أيام وهو يعلم أنها بلا فرامل (كوابح) كلية.. وذات يوم انحرف بها وهو مسرع، ووجد نفسه متجها صوب جدار صلب و... نعم، اصطدمت السيارة بالجدار ومات في الحادث ستة أشخاص، واعترف السائق أمام القاضي بأنه كان يقود السيارة وهو يعلم أنها بلا فرامل.. وكان دفاعه إزاء تهمة القتل غير العمد «مش بإيدي! ربنا كاتب لهم أنهم يموتوا في عربيتي».

عكننة وبائية





الساعة الآن العاشرة من مساء اليوم «الثلاثاء« العاشر من يونيو، وعلى الشاشات خبر احتراق طائرة ركاب سودانية بعد هبوطها في مطار الخرطوم.. مشهد محزن ومؤلم، وأتابع تصريحات مسؤولين سودانيين عن الحادث فلا أجد عند أحدهم جملة مفيدة، كل الحقائق متضاربة، فلأن الله يعرف بؤس حالنا فإنه عافانا من الكثير من الكوارث الطبيعية والحوادث المأساوية، ولأننا متواكلون باسم التوكل فإننا لا نهيئ أنفسنا لأسوأ الاحتمالات.. وهكذا هربت من بشاعة مشهد احتراق الطائرة الى الكمبيوتر، وليس من عادتي فتح بريدي الالكتروني بعد التاسعة ليلا ولكنني وجدت نفسي لا شعوريا افتح الهوتميل فإذا برسالة من الأستاذ موسى... موسى من؟ والله لا أعرف رغم أنني التقيت به وتحادثنا هاتفيا
اكثر من مرة، المهم أنني وكلما رأيت اسمه في بريد الوارد قلت اللهم اجعله خيرا، لأنه المكلف بملاحقتي بشأن مقالي هذا، وهو الذي يفقشني عندما أنسى ارفاق المقال مع الرسالة الالكترونية التي يفترض ان تحوي المقال كـ«مستند«.. قال لي إبليس:اأغلق الكمبيوتر ولا تفتح الرسالة لأنها بالتأكيد تحمل في طياتها لفت نظر بضرورة كتابة مقال على وجه السرعة لعدد اليوم التالي، وكأنك - والكلام لا يزال لإبليس - إنسان آلي تضغط على زر معين فيه فيخرج المقالات من الفرن والدخان يتصاعد منها.. ولكن التجربة علمتني ان العمل بنصائح إبليس قد يبدو ممتعا في بادئ الأمر إلا أنه ينتهي بالخسران، وتوكلت على الله وفتحت الرسالة فأطل إبليس من الشاشة وهو يمد لي لسانه: وجع.. ها هو صاحبك موسى المتخصص في تنكيد عيشتك، ينبهك الى ضرورة تزويدهم فورا بمقال .. هؤلاء لا يشبعون .. كلما أرسلت لهم مقالا تساءلوا: هل من مزيد. حقيقة الأمر انه ورغم ان الدكتور موسى شديد التهذيب فإن مجرد رؤية اسمه على شاشة الكمبيوتر او الهاتف الجوال يسبب لي توترا شديدا، ومغصا كلويا.. ذلك أنني أحرص أشد الحرص على تزويد أي صحيفة اتعامل معها بالمقال المطلوب قبل الموعد المحدد بيومين او ثلاثة، وليس هذا بالأمر العسير لأنني لا أكتب في السياسة على نحو مباشر وبالتالي لست مطالبا بمواكبة الأحداث.. ويبدو أن الحسبة عندي تطلع غلط، وأحسب أنني في حِل من كتابة المقال ليومين او ثلاثة فتفاجئني رسالة او مكالمة هاتفية مذكرة إياي بتقصيري، ولا أحد يفرح لكونه مقصر افي نظر الآخرين، وخاصة إذا كان سودانيا يتهم الناس قومه ظلما بالكسل الوراثي. وهكذا عكننتني رسالة صاحبي موسى التي طالبني فيها بمقال لعدد اليوم من هذه الصحيفة فقررت ان أفش غلي في القراء وأحكي لهم حكاية شيماء ذات الـ 8 سنوات، المولودة في الإسكندرية بمصر والتي باعها أهلها لزوجين غنيين نظير 30 دولارا في الشهر فأخذاها معهم الى الولايات المتحدة لتعمل عبدة (وليست خادمة فقط) لهما ولعيالهما الخمسة.. هي في الواقع مأساة شيماء التي راحت ضحية الفقر وضحية زوجين لا مكان للرحمة في قلبيهما.. والى تفاصيل النكد والعكننة غدا وما بعده ولا حول ولا قوة إلا بالله.
jafabbas19@gmail.com

الزوجة التعيسة بسبب «كديسة»

جعفر عباس
كتبت أمس عن عرس من طراز ألف ليلة وليلة لعروس فلسطينية من شاب ليبي، كانت كلفة الطرب وحده فيها نحو مليوني دولار.. وسأحدثكم اليوم عن حفل لم يتم بعد، ولا أعرف من أين أبدأ.. فالخبر المتعلق بالحفل تسرب من قاعات مكتب التسوية في محكمة الزنانيري في مصر.. فقد مثلت أمام تلك المحكمة شابة في الـ19 من العمر، «لسَّه» طالبة في كلية الآداب بجامعة عين شمس، وعيناها ممتلئتان دموعا وهي تشرح للقاضي لماذا تريد تطليق الرجل الذي تزوجت به قبل أشهر قليلة.. لم يكن طلب الطلاق لكون الرجل يكبرها بخمسين سنة، فقد كانت تعرف عنه هذه «المعلومة» منذ أن قبلت به زوجا.. لن أستطيع أن أورد ما قالته بالحرف الواحد، ولكنه كان من نوع: «مش عايزاه .. مش طايقاه .. ما بيحبنيش.. دا حتى ما عندوش عواطف أو رحمة في قلبه» سألها القاضي: ضربك؟ ردت: «فشر .. دا كنت دشدشت نافوخه لو مد إيدو عليَّ».. طيب يا بنت الناس.. «جوزك ما بيصرفش ع البيت؟» ردت: «مش على كيفه يصرف وللا ما يصرفش.. أصل كل حسابات البنوك باسمي واسمه».
كاد القاضي يشق «هدومه» وصاح: «طب حصل إيه بالضبط؟» هنا لم تتمكن من السيطرة على دموعها: «تص .. تصو .. تصور يا حض .. حضرة القاضي هئ هئ هئ .. تصور إنه عايز يعمل عيد ميلاد قطتي في فندق عادي.. حسرة على شبابي.. ده كان مستخبي لي فين يا رب؟»
في مكاتب التسوية يكون هناك أكثر من شخص من تخصصات مختلفة، وأستطيع أن أخمن أن بعضهم فكر في ضرب تلك الفتاة بـ«طفاية سجائر»، بينما اعتقد البعض الآخر أنها معتوهة.. ولقطع الشك باليقين سألوا الزوج: «إيه الحكاية بالضبط؟» فقال: «أنا ما رفضتش أعمل الحفل للقطة.. هي اختارت فندق خمس نجوم.. وأنا اقترحت فندقاً يملكه أحد أصحابي لأنه وعدني بتخفيض كبير في أجرة القاعة والمأكولات» (ماذا يقدمون للضيوف في عيد ميلاد قطة؟ فئران؟)
الصحيفة التي نقلت الخبر قالت إن النهاية كانت سعيدة حيث اقتنعت الزوجة بإقامة حفل قطتها في الفندق الذي اقترحه زوجها.. بينما في تقديري كانت النتيجة ستكون «سعيدة» لو صاح فيها زوجها أمام المحكمة: «أنت طالق وقطتك طالق واللي خلفوكي كلهم كان مفروض يتطلقوا»..
ولكن الدرس هو أنك عندما تتزوج بواحدة تصغرك بنصف قرن فينبغي أن تكون مستعدا للتحول إلى ذي «قرون»!
في السودان نسمي القطة كَدِيسة.. اشمعنى غيرنا يسميها بِسَّة»؟

زواج أم مشروع تنمية؟

جعفر عباس
بعد اكتمال مراسم الزواج، كان صاحبكم على الحديدة، أي صفر اليدين والجيوب، حتى جيوبي الأنفية كانت «يابسة وناشفة»، وهكذا اضطررت إلى الهجرة، وعملت في شركة أرامكو في الظهران، ومنذ يومها وأنا عضو في أوبك بالانتساب، والدولتان النفطيتان اللتان لم أعمل بهما بعد هما فنزويلا وبروناي.. ثم قرأت عن هندي أقام حفل زفاف لولده في دبي بكلفة 20 مليون دولار (لا تشمل المهر لأن التقاليد الهندية توجب على العروس دفع المهر الذي يسمونه دوري dowry) وكان ضمن المدعوين في الحفل الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، الذي لم يأبه إلى أن زوجته البلاستيكية هيلاري مزنوقة في السباق الرئاسي في مواجهة ابن عمي باراك أوباما، وطار إلى دبي لعلمه أن حفلا كهذا ستكون فيه فرص كثيرة للهبش والخمش.. هذا ليس حفل الزواج الذي وعدتكم بالكتابة عنه.. فعلى ذمة صحيفة «أوان» الكويتية، وهي آخر إضافة مهمة في الصحافة العربية اليومية، فقد شهدت القاهرة مراسم زواج ابنة شخصية فلسطينية بارزة انتقل قبل أعوام إلى رحمة مولاه من شاب ليبي من أسرة غنية معروفة.. نبدأ بالطرب: عمرو دياب وهيفاء وهبي وراغب علامة والراقصة دينا.. نال كل واحد من هؤلاء ربع مليون دولار.. ولا أحسد مطربا أو راقصة على ما يكسبون من مال بل أغلي من الغضب على من يدفعون لهم مبالغ ضخمة.. الحفل كان في منتجع العين السخنة السياحي، واستمر 12 ساعة بدءا من الخامسة مساء.. الطعام جاء بطائرة خاصة من لندن، وكان مؤلفا من كل أنوع الطيور والأسماك والحيوانات (لم تقل صحيفة «أوان» ما إذا كان هناك لحم فرس النهر ووحيد القرن).. وانتهى المدعوون من تناول وجبة العشاء في منتصف الليل، وفي نحو الثالثة فجرا جاءهم نداء عبر مكبرات الصوت: يللا يا جماعة البوفيه مفتوح للفطور.
وبعد أن تبارى عمرو دياب وبنت وهبي والرجل الـ«علّامة» في الشكوى والنواح من آلام العيون وقسوة الليل (يا ليلي يا لييييلي .. يا عيني) هبطت في منتصف ساحة الحفل طائرة هليكوبتر ونزلت منها فرقة استعراضية فرنسية (وتفاصيل ما قدمته من عروض لا يخصك ولا يخصني).. كبار الشخصيات من المدعوين ومن بينهم عارضة الأزياء نعومي كامبل تسلموا هدايا أساور من الماس.. ونال كل واحد من بقية المدعوين شبشبا.. بس مستورد، ولن أحدثك عن الكلفة الإجمالية للحفل حتى لا ينفجر شريان في مخك يا حاقد!!

الجبايات حتى في الشهادات؟ حرام





كنت قد قررت رفع يدي عن كل مسألة تتعلق بأهل الذمة (المغتربين)، ولكن رسالة من قارئ في السعودية، اسمه أكرم عوض، قلبت المواجع.. قضايا المغتربين مثل قضايا فلسطين ودارفور والصومال لا يوجد حل لها تقبله جميع الأطراف المعنية.. رغم ان قضايا المغتربين أقل تعقيدا لأنها بين طرفين معلومين، وليس فيها مناوي وعبد الواحد نور وخليل ابراهيم واسماعيل هنية ونايف حواتمة ومحمد دحلان، وكل يغني على ليلاه.. وقضية فلسطين نشأت عن وعد بلفور، بينما قضية المغتربين ستجد الحل الناجز لو استمع أولو الأمر الى ''وعد جعفور'': نعد الحكومة بدفع الجزية بانتظام بشرط أن تتم مساواتنا ببقية المواطنين ولو نقنق أي مغترب بشأن الجزية أتعهد بإسكاته بالتي هي ''أسوأ''.. نريد ان ندخل بلادنا ونخرج منها بحرية وليس مثل الرعايا الأجانب الذين يتوجب عليهم الحصول على تأشيرات خروج ودخول.. ونريد لعيالنا ان يدخلوا الجامعات دون فرض جزية على شهاداتهم تجعل من حصل على (90%) غير مؤهل حتى للالتحاق بالجامعة العربية التعيسة.. ثم إن افتراض ان الشهادات العربية أقل من نظيرتها السودانية بما بين (10 الى 15%) فيه طعن في الشرف المهني لوزارات التربية العربية التي منحت ابناء المغتربين تلك الشهادات (وبالقطع لم تعط المتفوقين منهم درجات عالية ترسيخا للعلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين).
بايظة، بايظة: دعوني أقول ملء حنجرتي بأنني ''عندي رأي'' في معظم الجامعات السودانية، واعتقد ان كثيرين من خريجي تلك الجامعات لم يكونوا سينجحون بنسبة (33%) لو جلسوا لامتحان الشهادة الثانوية قبل (25) سنة.. بعضهم يعاني من أمية هجائية، يعني لا يحسن حتى القراءة والكتابة، ولا يلامون على ذلك، فمراحل التعليم ما قبل الجامعي لم تؤهلهم بدرجة تعينهم على النقلة الكبيرة المتمثلة في استيعاب المحاضرات في الجامعات، وتلخيصها ثم الذهاب الى مكتبة (ويا حليل أيام الجامعات ذات المكتبات) للاستزادة من المعرفة.. أتذكر الطلاب الذين درستهم في سنار وبحري الثانوية ورمبيك والتجارة الثانوية وأحس بمغص.. في ما يخصني كنت أدرسهم مسرحيات شكسبير وبرنارد شو وأوسكار وايلد وراويات الاخوات برونتي وجين أوستن وألن بيتون، وكانوا يتفاعلون مع تلك النصوص، بل كان هناك طلاب يفرملونني بعد ان يكتشفوا انني اخطأت في قاعدة لغوية او معنى كلمة او عبارة معينة.. (وبالمقابل اعترف بأنني كنت معارا من وزارة التربية للعمل في ثانوية خاصة للبنات، وكنت أقضي نصف الوقت المخصص للتدريس في تجميع اللبان من الأفواه، وإلقاء الخطب على اللواتي يأتين بعد بدء الحصة بأسبوع، وذات مرة طردت طالبة مشاغبة، فاستدعتني المديرة وقالت: دي طالبة متميزة يا استاذ؟ قلت لها: مُت شنو؟ ميزة؟ قالت نعم متميزة وأبوها يدفع المصاريف دفعة واحدة مع بداية السنة! خرجت من عندها غاضبا وذهبت الى الحبيب المرحوم دهب عبد الجابر مدير عام وزارة التربية شاكيا، ولكنه طلب مني ان أصبر أسبوعين أو ثلاثة الى حين إيجاد بديل لي فقلت له: والله لن اضع رجلي في تلك المدرسة ولو زائرا، فغضب دهب وقال: طيب اختار ما بين مدرسة الدايات ومدرسة المشاة)!
طالما هناك شك في القدرات الاستيعابية لطلاب الشهادات العربية، وطالما يشك من عملوا في مجال التعليم أو ما زالوا يعملون فيه في قدرات طلاب الشهادة الثانوية السودانية، فمن مصلحة التعليم الجامعي ان يكون هناك نظام فرز على الطريقة الأمريكية: امتحان السات (تحديد القدرات) يعني على كل من احرز مجموعا يؤهله للقبول في جامعة ان يجتاز السات وهو كوكتيل من الرياضيات واللغة والعلوم، وغربال سيضمن للجامعات نوعية من الطلبة فيها بعض ''الرقشة''.. وبالمناسبة فان هناك جامعات سعودية تشترط على الراغبين في الالتحاق بها اجتياز معاينة (إنترفيو) ذو طابع أكاديمي.

غزل بالنساء «بالجملة»
أكثر ما يضايق عيالي هو أنني إنسان أليف أي بيتوتي، لا أحب مغادرة البيت إلا لالشديد القوي، ولا أحب السوق ولا السوقة والسوقيين، واعتقد ان سر صمود زواجي بأم الجعافر هو أننا لم نعد نذهب الى السوق سويا، فحتى في الحقبة الرومانسية من الزواج، كنت أذهب الى السوق (بمبادرة منها طبعا)، وكان الأمر ينتهي بدخولي في حالة هستيريا بمجرد دخولها أكثر من دكانين بحثا عن شيء واحد معين.. وهكذا صارت مشاوير السوق في رقبة أكبر أولادي أو أنسبائي.. عيالي لا يتضايقون من ضيقي بالسوق والتسوق، بل من كوني أضيق بالمطاعم والأماكن العامة.. ما أكلت وجبة في مطعم مهما كان عدد نجومه إلا وأحسست باضطرابات هضمية.. بصفة عامة لا أحب الأكل في الزحمة أي حيث يكثر الناس وبالتالي لا أحب الولائم الكبيرة.. أجلس في حديقة عامة أو مقهى في موقع يهبل؟ إنس الموضوع!! بعض قريباتي يقلن عني إنني مش وِش نعمة،.. هن يعتبرن أن تمتعي (ولو نظريا) كرجل بحرية الخروج والدخول والتجول في كل مكان نعمة.. هذا فهم عام عند معظم النساء العربيات، وهو أمر أتفهمه. فالنفس السوية تهوى الترويح وتنفر من الرتابة، والعمل المنزلي قد يصبح رتيبا ومملا، مما يجعل البيت ثقيلا على النفس كما هو الحال مع أي مكان عمل، فالرجل – مثلا – لن يطيق البقاء في المكتب لثلاثة أيام متتالية في دوام بلا نهاية، حتى لو لم يكن يؤدي مهمة معينة، ومن ثم تكون النساء أكثر ميلا ومطالبة بالخروج من البيت الى أي مكان
ولا اعتقد انه من العقل والحكمة ان تحسد النساء الرجال لكونهم يتحركون بحرية دون ان يتعرض معظمهم للسين والجيم: اين كنت؟ والى أين أنت ذاهب؟ ولماذا تأخرت في العودة؟ فليس في الصرمحة والتسكع وإضاعة الوقت في ما لا طائل من ورائه امتياز، بل اعتقد ان الله وهب النساء امتيازات بلا حصر: الرقة والحنان والقدرة على الحب والعطاء والإحساس بالمسؤولية، و... الأمانة.. سأظل أردد ما حييت أن النساء أكثر عفة في اليد واللسان من الرجال.. نسبة ضئيلة جدا من النساء قد يتلفظن بعبارات غير لائقة في مكان عام، أما الرجال فإنك لا يمكن ان تجتاز خمسة كيلومترات بسيارتك دون سماع عشرة منهم يتشاتمون عبر نوافذ سياراتهم، وأخف الشتائم تكون من نوع: حرام تركب سيارة، والحمار خسارة فيك!! وفي كل الدول ستجد مقابل كل 1000 موظف حرامي يختلس الأموال موظفة أنثى واحدة تجاريهم. ذلك لأن النساء يملكن حسا اجتماعيا أرقى مقارنة بالرجال وبالتالي يخشين العيب، وهن عموما أكثر وفاء وولاء.. ولا تغرنك الشوارب واللحى يا سيدتي، .. بعدين حتى جورج بوش متعاطف مع النساء، فعلى اتساع السجون في باغرام وقندهار وغوانتنامو لم يفكر في استضافة امرأة واحدة فيها.

الهدية التي أريدها
كتبت هنا مع بداية موسم العطلات الصيفية في يونيو الماضي، عن الاجتماع العائلي الذي دعوت له زوجتي وعيالي في سكتلندا الصيف قبل الماضي حيث قلت لهم ما يلي: يسعدني ويشرفني إبلاغكم بأنه واعتبارا من هذه اللحظة، لن يقوم أي منكم بالسفر الى أي جهة غير السودان على نفقتي، وحتى زيارة السودان ستكون في فصل الشتاء فقط.. كان ذلك القرار ضروريا رغم أنه جعل شعبيتي في الحضيض “عائليا”، وسمعت عبارات مثل: ربنا على المفتري.. يجي يوم وان شاء الله تكون عندنا فلوسنا الخاصة ونسافر على كيفنا ونخليك تستمتع برحلات السودان الشتوية.
من عادتي ان استنجد ببعض الأصدقاء في السعودية قبل حلول شهر رمضان الفضيل لتزويدي بتمري المفضل (سكري القصيم).. وبالمناسبة فإنني لا أستحي أبدا في استجداء التمر، وقد أزور بيتا لأول مرة ويقدمون لي فيه تمرا لذيذ الطعم، فلا أتردد في أن أقول لصاحب البيت: لو سمحت أعطني منه كمية في كيس بلاستيك نظيف.. والآن وموسم الهجرة الى أوروبا قد اشتعل، فإنني أوجه نداء لعرب الصيف الأوروبي: أريد عقارا يطلقون عليه مؤقتا اسم بولي بيل polypill بولي تعني تجميع أشياء/ وحدات/عناصر، في مكان واحد، وبيل بال”بي” الثقيلة تعني القرص الدوائي.. فقد أثبت قرص البولي بيل هذا أنه نجح في منع النوبات القلبية والجلطات لدى 80% من أشخاص كانوا عرضة لها.. وبالتالي فقد أوصى البروفسور نيكولاس وولد مدير معهد ولفسن للطب الوقائي في لندن، بأن يتناوله كل شخص بلغ الـ55 او تجاوزها.. طبعا بالنسبة لي “بدري على الـ55”!! ولكن الاحتياط واجب .. بصراحة أكثر لا أعرف كم عدد سنوات عمري بالضبط، بسبب حرصي على عدم الانشغال بهذه المسألة وتجاهل أي سؤال حولها.
العقار يتألف من الـ”ستاتِن” الخافض للكولسترول، وخلطة تؤدي الى خفض ضغط الدم، وحمض الفوليك الذي يخفض معدلات حمض أميني يسبب النوبات القلبية والجلطات.. وتنتجه شركة سيبلا الهندية ومن ثم فهو زهيد الثمن، ولا تزيد كلفة جرعة اليوم الواحد على جنيه استرليني واحد.. وكما هو واضح فإنه ليس ثمة ما هو جديد في تركيبة العقار، لأنك تستطيع تناول كل واحدة من مكوناته على حدة.. ولكن غالبيتنا تزهج من تناول تشكيلة من العقاقير مهما كانت حاجتنا اليها، وبالتالي فإن تناول قرص واحد لمواجهة تشكيلة من الأمراض القاتلة لا يكون ثقيلا على النفس.. وتذكروا ان ضحايا أمراض القلب والجهاز الدوري أكثر من ضحايا السرطان.. وإيميلي عندكم لترسلوا عليه الدواء و”سكري القصيم” ولو.. الـ virtual .. الافتراضي.

قبل شهر واحد شهدت انجلترا حادثا مأساويا تمثل في موت أب وأم وبنتهما الوحيدة في حريق هائل دمر بيت العائلة الضخم .. بعد نبش الركام لثلاثة أيام عثرت الشرطة على جثتي الزوجين واكتشفت ان هناك رصاصة اخترقت رأس الزوجة.. ثم كشفت التحقيقات أن الزوج وهو مليونير، عانى من مصاعب مالية جمة وغرق في الديون بسبب الهزات الاقتصادية والمالية التي تعرضت لها بلاده مثل سائر البلدان، فطخ زوجته بالرصاص، ثم قتل عددا من الحصين والكلاب كان يملكها وسكب البنزين في كل إرجاء بيته وأشعل فيه النار ثم اطلق رصاصة على رأسه ولم «يطاوعه» قلبه قتل ابنته بالرصاص وترك الأمر للحريق المدمر .. نحن المغتربين في دول الخليج، والذين يفترض البعض أننا نتمتع بحصص في عائدات نفطها وغازها، حصل معظمنا في السنوات الأخيرة على زيادات في الرواتب لمواجهة غول الغلاء، ولكن ومن الناحية العملية فقد انخفضت رواتبنا بنحو 40% بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار كل السلع.
في بريطانيا انهار بنك نوثرن روك، وفي الولايات المتحدة انهارت بنوك ليمان برذرز وميريل لينش، ومورقن ستانلي يترنح، وحتى موعد نشر هذا المقال ستكون هناك على الأقل ست مؤسسات مالية أمريكية عملاقة قد «دقت الدلجة»، وسيتسبب ذلك في ضياع نحو تريليون دولار على جمهور المودعين وحملة الأسهم .. فما مصير البنوك السودانية التي تعاني سلفا من «بئس المصير» لأن المسنودين يحصلون على قروض منها بلا ضمانات وغير ملزمين برد تلك الديون؟ ما يحيرني هو أنه ما من جهة سياسية عندنا تدرك أنه لا أولوية فوق «ملأ البطون»... في التحليل الأخير فإن كل الفتن التي عصفت ببلادنا كان سببها «الجوع».. وللمرة الثانية أقول إن ثورة الجياع قادمة، ليس من الأرياف والأطراف بل من المدن .. حاولت من قبل ان اقول في زاويتي هذه أن أبيي وأبوجا ونيفاشا وقانون الانتخابات ليست «أولويات» في الوقت الراهن، وأنه لابد من حوار وطني ليس حول تقسيم الكيمان بل حول الكسرة والملاح.. ولكن كلامي هذا اعتبر «خروجا على الثوابت».. وهو بالفعل كذلك لسبب بدهي وهو ان الثوابت عندي هو أن الناس بحاجة الى لحم ورغيف وسكر وزيت ولم يعد معظمهم معنيا بالبروتوكولات والاتفاقيات المكتوبة على ورق كلينكس.. وثورات الجياع تكون عادة بلا قيادة سياسية وبالتالي فالتة وغاشمة ومدمرة.. فالجوعان تكون الأمور عنده بايظة، بايظة، ويمارس حرق السيارات الفارهة والمباني الحكومية من باب «فش الغبينة»
في مطلع الأسبوع الماضي صعد شاب عربي الى سطح عمارة شاهقة في دبي، وقف على حافتها مهددا بالانتحار، وصعد اليه شرطي حاوره لبعض الوقت ثم ناوله شيئا، فصرف الشاب النظر عن الانتحار وهبط الى الشارع. اتضح ان الشرطي أهداه الف درهم (حوالي 27 دولارا) .. عندما سمعت بالحادث شتمت الشاب: يا غبي يا رخيص.. ثم استدركت: هذا المبلغ الهزيل يعني الكثير بالنسبة لهذا الشاب.. سال لعابه لـ (27) دولاراً رغم أنه سينال على الأقل شهرا سجنا عن كل دولار .. إنسان يعيش في دبي إحدى أغنى بقاع العالم يبيع حريته بـ (27) دولاراً! فماذا يفعل شاب سوداني حصل على البكالريوس قبل سبع سنوات ولم يجد عملا؟ يصعد الى سطح برج القذافي ويهدد بالانتحار ما لم يأتوه بسندويتش شاورما؟ أتوقع أنه سيسمع كلاما من نوع: عجبك سندويتش فول أهلا وسهلا.. ما عجبك؟ اتفضل نط!! قبلها صعد سعودي الى برج رافعة (ونش) عملاقة لينتحر ودخلت الشرطة معه في حوار انتهى بأن الرجل كان في «عرض» 10 آلاف ريال قدمتها له الشرطة وقام بعدها ورقة ورقة ثم هبط.. تركوه يحتفظ بالمبلغ وهكذا ذهب الى السجن سعيدا.. هذا يحدث في دبي والسعودية، فاعجب لما يمكن أن يحدث في دَبَك والمسعودية!!

حتى اللحم الأحمر صار خطاً أحمر

جعفر عباس

بات الموال معروفا: جميع ما نأكله ضار بالصحة بعد ان أصيبت الحيوانات بمختلف الأمراض، إلى درجة أن هناك من أثار شكوكا حول القوى العقلية للأبقار، واتهمها بالجنون، وكأنما الأبقار كانت تتمتع بالحكمة ورجاحة العقل من قبل.. قالوا لنا إن الشحوم والدهون ضارة بالصحة وان النشويات والسكريات تجلب الأمراض المزمنة، وأن الإكثار من سمك التونا يرفع نسبة الزئبق في الجسم مما يسبب التسمم.. ويجتاح العالم حاليا رعب اسمه انفلونزا الطيور، وحدثت مجازر للدواجن في عدد من بلدان العالم (حتى الآن لم يتهم أحد المسلمين بتلك المجازر ربما لأنها من النوع «الحميد»).. ثم قرأت مؤخرا ملخص تقرير لمجلس البحوث الطبية البريطاني جاء فيه ان أكل اللحوم الحمراء يزيد احتمالات الإصابة بسرطان القولون بنسبة عالية، واللحوم الحمراء هي يا عزيزي لحم الضأن والبقر والغزال إلخ.. وكنت من الذين يتجنبون الشحوم ويحرص على تخليص اللحوم الحمراء من أي اثر للدهون عند شرائها، فإذا اشتريت ثلاثة كيلوغرامات من اللحم كان وزن ما أحمله منها الى البيت نحو كيلوغرامين.. ماذا أفعل فاللحوم البيضاء (الطيور والاسماك) تسبب أمراضا قاتلة.. تقترب من الطيور فتعطس مرتين ومع العطسة الثالثة «تطلع روحك»! والأسماك تعاني من تلوث البحار وأكلها يسبب التسمم البطيء! يقول ذلك التقرير السخيف ان أكل اللحوم الحمراء يؤدي الى ظهور مواد تسمى إن-نايتروسوكومباوندس N-nitrosocompounds - لاحظ ان الاسم نفسه يسبب التهاب البلعوم والحنجرة- وهذه المواد تتكون في المصران الكبير وتؤدي الى إتلاف الحمض النووي DNA ، وتعرض الحمض النووي للتلف أمر وارد على مدار اليوم بسبب التفاعلات الكيميائية التي يشهدها الجسم والتي تنتج عنها مواد أخرى ضارة بالصحة، كما أنها تتلف أثناء الاستنساخ copying لحدوث أخطاء في تلك العملية، فتتولى جزئيات أخرى في الجسم إصلاح ذلك التلف.. ويقولون ان سرطان القولون قد ينجم عن تحالف محور الشر المتألف من الحمض النووي و «إن- نايتروسوكومباوندس».. قلت: ولا يهمك يا ابو الجعافر، ولا تحرم نفسك من اللحوم الحمراء وعليك فقط ان تُكثر من الخضروات والفواكه.. ولكن فقرة في ذلك التقرير قالت ان الألياف التي في الخضروات قد تقلل احتمالات الاصابة بسرطان القولون ولكنها تبقى عديمة الجدوى إذا كنت تأكل نحو ثلاث قطع من اللحم الأحمر يوميا!
إزاء كل ذلك قررت ما يلي: سأتعاطى اللحم الأحمر والأخضر والبنفسجي و«اللي بدو يصير، يصير».. لن أعيش حياتي بالكتالوج: هذا الخبز فيه 3000 سعرة حرارية وهذا اللحم مشبع بالدهون وتلك الفاكهة ترفع نسبة النيكوتين في الجسم والطماطم فيه نسبة عالية من ثاني أوكسيد الكربون.. ويا جماعة البحوث الطبية اعثروا لنا على دواء لنزلات البرد العادية قبل ان تصيبونا بالجنون بالتحذير المتكرر عن مضار ما ظللنا نحن بني البشر نأكله ونشربه على مدى آلاف السنين.

المكتبات وحسن الخاتمة
دعت جمعية «حسن الخاتمة» بلدياتي زكريا حامد للمساهمة في الترويج لأنشطتها، وقبل زكريا الدعوة بكل ترحاب، فقد راق له أن جمعية تعنى بشؤون الانتقال الى الدار الآخرة وضعت ثقتها في بربري، ولما كثرت عليه الأعباء طيب الجماعة خاطره وقالوا له: ولا يهمك .. لما تموت نديك قبر ناصية !! بالنسبة لي فإن مشروع إقامة مكتبات عامة أينما كان، يمثل مسعاي نحو «حسن الخاتمة» ورد الجميل للوطن .. كتبت مقالين عن هذا المشروع وأعلنت أنني على استعداد للمساهمة في أي جهد يرمي لإقامة مكتبة او قاعة مطالعة في أي مدينة او في «السما الأحمر»، داخل السودان .. اتصل مكتب والي الخرطوم بالسفارة السودانية في الدوحة طالبا رقم هاتفي لأمر يتعلق بهذا المشروع، واستبشرت خيرا (على من يريد رقم هاتفي لأمر يتعلق بالمكتبات الاتصال بالأساتذة محمد عبد القادر او ضياء الدين بلال او عمر صالح او عبد اللطيف اللعوتي الشهير بالبوني او وجدي الكردي بدار هذه الصحيفة) رغم انني لم أتلق منهم اتصالا بعد، فحلم حياتي الأكبر هو إقامة مكتبة عامة ضخمة في العاصمة، وما زلت عند تعهدي بأن أقود حملة جمع التبرعات.. لن نستجدي المال بل الكتب ولو التزمت جهة رسمية بتوفير موقع لمثل هذه المكتبة فسيكون دينا على رقبتي ان أتولى مهمة جمع الكتب والمواد السمعية والبصرية لها.
أول استجابة جاءتني من الأستاذ محمد الفاتح العالم الذي يعمل منذ سنوات على إنشاء مركز للدراسات السودانية في محافظة كرري، ولديه سلفا نحو الف كتاب ووثيقة (أجملها بطاقة دعوة لزواج السيد مأمون بحيري أحد أبرز الاقتصاديين السودانيين وقد تولى أعباء وزارة المالية وكان محافظا لبنك السودان لسنوات طوال .. الجميل في الدعوة التي تعود الى خمسينات القرن الماضي هو أنها صدرت باسم أخته .. كان ذلك زمان النساء «أخوات الرجال»).. تفاكرت مع العالم هاتفيا وعبر الانترنت حول مشروعه واتفقنا على العمل أولا لإنشاء مكتبة «بتاعت كله» أي لجميع صنوف الكتب ثم نلحق بها وحدة للدراسات السودانية .. وكما قلت من قبل فإن الجانب الصعب في المشروع وهو توفير الكتب هو في الحقيقة الجانب «السهل»
عرضت الفكرة على اللجنة الثقافية بمجلس الجالية السودانية في قطر وتحمست هي ولجنة النشاط الطلابي على الفور للمشروع، ووضعنا خطة لتدشينه وتنظيم حملة يشترك فيها السودانيون في كافة المهاجر لجمع الكتب.. واتصل بي أخ كريم (تبخر اسمه من ذاكرتي بسبب الزهايمر) طارحا مشروعا لإقامة مكتبة في قرية ود هاشم القريبة من سنار، وتعهد من جانبه بتوفير الكمبيوتر والسكانر والأرفف وغيرها.. وقلت له حبابك عشرة، واتفقنا على حل مشكلة المقر بأن يضم نادي القرية المكتبة مؤقتا والعافية درجات... ثم نال المشروع أقوى جرعة منشطة بدخول البرفسور قاسم عثمان نور صاحب الأيادي البيضاء على مكتبة جامعة الخرطوم في الخط.. وقدم مقترحات فنية قيمة وأعلن عن استعداد مركز قاسم لخدمات المكتبات لاستقبال الكتب المتبرع بها وتوزيعها.. سنطلق مشروعنا في الدوحة يوم الاربعاء 18 يونيو من خلال ندوة يشارك فيها الموسيقار المعتق المنصوري والمسرحي المتمكن السني دفع الله وشخصي ال»بتاع كله».. سيكون كل من يحضر الندوة مطالبا بإحضار كرتونة مليئة بالكتب، بينما تعهدت روابط المهنيين في الجالية بتقديم كتب أكاديمية تصلح للجامعات.. استطيع ان اجمع من قطر وحدها آلاف الكتب ..وتخيل النتيجة عند تدخل بقية المهاجر على الخط

كلكم «رائعين» من كندا للكاملين
بكل صدق ليس سر سعادتي الحقيقي أنني وبمعاونة نفر أخيار في قطر - لا جاء يوم شكرهم - جمعنا ونجحنا حتى الآن في وضع خطط تضمن لنا مئات الآلاف من الكتب، ولكن لأن التجاوب الذي وجدته من السودانيين في مختلف أركان الدنيا كان مذهلا: حاج ابراهيم وراشد (رشيد؟) إسماعيل طالبا دكتوراة في جنوب افريقيا: لا تنس حلتنا الفوار في ضواحي المحيريبا.. د. مهندس عبد القادر عباس من كندا: كليات الهندسة في جامعة الخرطوم أولا.. هم وغيرهم تعهدوا بدورهم بالإسهام في مشروع المكتبات الوطنية.. ولكن اطربني أكثر اهتمام جهات معينة بالمكتبات.. محمد احمد الخواض من التلفزيون السوداني: لك علي أن أزودك بكتب تجعل مكتبتكم مزارا لطلاب الإعلام.. الفريق شرطة معاوية البيلي من الأمانة العامة للتخطيط الاستراتيجي التي تخطط لإنشاء مكتبة تعنى بالدراسات الاستراتيجية والمستقبلية: حاضر سعادتك وهذا مشروع لا يقل في نظري أهمية عن مشروع إقامة مكتبات في داخليات الطالبات في ام درمان.. د. الجميعابي من منظمة «أنا السودان» اتصل عارضا المساعدة بأي شكل كان، وبدورنا سألناه: كيف نساعدكم؟ .. وبما أنني صرت شحاتا محترفا فقد وعدته كعربون بجمع ملابس للأطفال مجهولي الأبوين والمشردين.. وبدوره وعدني بتقديم أي عون نطلبه لافتتاح مركز صحي جديد في واوسي لم يكن لي فضل في تشييده وتأثيثه سوى أن أكون وسيطا بين المحسنين والجهة المنفذة.
مشروع المكتبات انطلق بكثير من النوايا الحسنة وقليل من الخبرة، ولكن الاتصالات التي تلقيتها بعد نشر مقالاتي حوله في الرأي العام وكون موقع الرأي العام في الانترنت حسن التصميم ويحظى بإقبال من سودانيي المهاجر، زودتنا بالكثير من الأفكار.. وكما اسلفت فما الذي يمنعنا من جمع الملابس للأطفال المحتاجين.. هشام الحمودي ناشدنا ان نزود اتحاد الصم والبكم بكتب التصميم الفني والكمبيوترات، والمرجع الخاص بلغة الإشارة الموحدة.. وقارئة اسمها ايمان نبهتنا الى ضرورة توفير كتب بطريقة بريل للمكفوفين .. هذا جانب فات علينا وسنوليه كل اهتمام وسنكثف جهودنا لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة في مجال التعليم.. المهندس مهدي كزام من كندا وعد بمخاطبة جامعة مكماستر لتزويده بكتب في مختلف المساقات.. محمد صلاح من الخبر في السعودية تحدث معي في أمر مشاركة جمعيتهم «أصدقاء الكتاب» في المشروع.. مصطفى جاك قال إنه عندما كان يدرس في كلية الحاسوب في جامعة القضارف كان بالكلية مرجع واحد فهرب الى الهند.. رابطة الطلاب والخريجين بالكاملين طرحت افكارها حول مكتبة عامة بالمدينة.. عندما كنا نعمل في تلفزيون الجزيرة في مدني كنت و(3) أصدقاء متجهين صوب الخرطوم عندما عصفت بسيارتنا الكحيانة رياح هوج وأمطار رعدية ووصلنا الكاملين ب» يا الله يامين» وانحشرنا في برندة دكان.. وبعد قليل انفتح باب الدكان وخرج منه رجل ودعانا الى الدخول رغم أنه لم يكن قادرا على رؤية وجوهنا.. لم يقل: هؤلاء ربما كانوا حرامية.. او سكرجية او مساطيل.. صنع لنا شايا ثم هدأت العاصفة واستأذنا منه لمواصلة الرحلة فحلف علينا: لازم تمشوا البيت تقعدوا شوية تتشطفوا وبعدين تواصلوا.. وذهبنا معه الى بيته وامتدت القعدة الشوية الى اليوم التالي.. سمع بنا اهل البلدة ووجدنا أنفسنا في وليمة تضم نحو خمسين شخصا.. وفي صبيحة اليوم التالي وقد نمنا بالكاد (3) ساعات كانت صواني الشاي والزلابية مصفوفة حولنا.. وبعدها «علي بالطلاق ما تتحركوا لو ما فطرتو».. كان الرجل الذي جرجرنا الى كل ذلك الحب والود يعيش على ما يشتريه المسافرون من الكافتيريا الخاصة به على طريق مدني الخرطوم، ولكنه أنفق علينا ما يوازي دخله في شهر كامل في (18) ساعة.. أكون «قليل أصل» إذا لم أرد الجميل للكاملين ولو ببضعة مئات من الكتب.

جعفر عباس
هذه هي الرومانسية المتاحة
أوردت الصحف الكويتية حكاية العريسين، اللذين قررا إجراء مراسيم زواجهما في مدينة اسطنبول التركية. جميع المدعوين سيحصلون على تذاكر سفر من الكويت الى تركيا وبالعكس مجانا مع بطاقات الدعوة. عادي، واللهم لا حسد. ألف دولار أمريكي قيمة تذاكر سفر لـ200 شخص؟ ولا شيء. عندما تزوج أبوالجعافر دعا أهله من أقاليم السودان وتحمل نفقة علف حميرهم، وكلفه ذلك «الشيء الفلاني». وسيقيم ضيوف حفل الزواج في فندق خمس نجوم في المدينة. أكثر من عادي. فقد سمعنا بمن يحجز فندقا بأكمله لحفل ختان لأسبوع كامل. ما هو غير عادي هو أن كل هذه التلتلة والسفر والحجوزات والتأشيرات والنفقات، تم تكبدها لأن العريس والعروس اتفقا على ان يكون حفل الزواج في نفس الفيلا التي تم فيها تصوير مسلسل نور التركي. قطيعة تقطع نور وسنين نور. صرت من فرط كرهي لـ«نور» ابتعد عن الأماكن التي فيها نور «إضاءة». ويا ويل من يقول لي صباح الـ«نور». وقبل أيام كنت أناقش موضوعا ما مع زميل مصري عندما أعجبه رأيي وقال لي: عليك نور. فصحت فيه: عليك نور ومهند وأتاتورك، أنت يا قليل الذوق.
استأجر العريس فيلا مسلسل نور بحديقتها لثلاثة أيام بلياليها، ومن حق كل من يتزوج ان يختار مكان الاحتفال حسب إمكاناته المادية، ومن المؤكد ان العريس الكويتي ميسور الحال، وكان بإمكانه إقامة الحفل في مدينة ديزني في سان فرانسيسكو، ومن المؤكد أيضا ان الفيلا التي يعيش فيها في الكويت أكبر وأفخم وأجمل من فيلا مسلسل نور. كتبت كثيرا مستخفا بهوس جماهير التلفزيون بالمسلسل التركي نور، وعجبت من التعقيبات التي وصلتني من بعض النساء على وجه خاص: يعجبنا في المسلسل الرقة والعذوبة في التعامل بين مهند وزوجته. تعجبنا الرومانسية التي نفتقدها عند رجالنا! طيب يا بنات الناس، دعوني أصارحكن بأن حياتي الزوجية خالية من الرومانسية من يومها الأول ولكنها صمدت وستظل صامدة بإذن الله. والتقصير في الرومانسية ليس فقط من جانبي بل إنني متأكد من أنه لو دخلت يوما على زوجتي وقلت لها: هيا بنا يا حبيبتي نذهب الى فندق «الشمس الباردة» لنحتفل بمرور كذا سنة على زواجنا،. لو قلت لها مثل هذا الكلام، لاتصلت بالإسعاف لنقلي الى مستشفى الأمراض العقلية. الرومانسية هذه «شغل سينما» وشغل «خطوبة» وتتحول بعد الزواج الى احترام وود متبادل. نعم فينا نحن معشر الرجال قدر لا يستهان به من الجلافة والغلظة، ولكنها غير متعمدة لأنها جزء من ثقافتنا التي تمجد التكشير والعبوس، وأهون على بعضنا أن يشرب زيت الخروع على الريق من أن يقول لزوجته كلمة حلوة، ولكن الرومانسية لا تنتقل بالعدوى عبر شاشة التلفزيون، بل كثيرا ما يكون التعبير عنها صامتا. أي بالأفعال. أن يصر الزوج على اصطحابك للطبيب لأنك شاحبة. أن يقول لك لا تطبخي لأنك تعبانة. أن يحرص على ارتداء ملابسه في هدوء صباحا كي لا يوقظك. هذه هي الرومانسية المتاحة، وهذا آخر كلام عندي نيابة عن الرجال العرب. عجبكن أهلا وسهلا. ما عجبكن؟ عندكن الحائط والبحر.

إنجاز فريد لم يجد التقدير


الثلاثاء, 20 نوفمبر 2007
جعفر عباس
ذكرت بالأمس إنجازي الفريد الخارق المتمثل في محاورة أدموند ماسكي، وزير خارجية الرئيس الأميركي جيمي كارتر، الرجل الطيب (هل لاحظتم كيف نبكي على كل رئيس أميركي تنتهي ولايته، لأن من يأتي خلفه يكون أزفت منه بكثير، ولكنني لاأعتقد ان العبقرية الانتخابية الأميركية قادرة على انجاب كارثة سياسية وبيولوجية وبيئية مثل الرئيس الحالي جورج دبليو بوش، وبسبب كرهي لبوش فقد صرت أحب العسكرتاريا التركية رغم شطحاتها السخيفة.. في تركيا استخدام حرف دبليو ممنوع لأنه غير موجود في اللغة التركية، بينما هو مستخدم في اللغة الكردية، ورغم تعاطفي مع أكراد تركيا وأكراد السودان والشيشان وزيمبابوي، إلا أنني أؤيد حذف حرف الدبليو من القاموس لأنه ارتبط في ذهني بجورج بوش الثاني.. وكم انا حزين لأنني شهّرت بالرئيس الأميركي السابق المثقف بلبل كلينتون الذي لم يكن فيه عيب سوى أنه “هباش” ويحب الصنف العجالي من النساء).. المهم ان ماسكي ذاك يذكرني بمريم نور التي كلما استمعت لفتاويها التلفزيونية الطبية المجانية أصابني همود وخمول يعقبه نوم مضطرب.. كان ماسكي وقتها فوق الخامسة والسبعين.. بينما كنت شابا في أوائل الثلاثينيات، وكنت قد أعددت للقاء العدة اللازمة بدارسة العديد من الملفات السياسية، ثم انتقاء كلمات انجليزية عيار 24 قيراط كي يدرك أنني صحفي غير عادي.. بدأ اللقاء بعبارات البكش المعتادة، واقترح علي تناول شيء ما (من باب حسن الضيافة) فشكرته في أدب، ولكنه أصر على أن أتناول الكابوتشينو، قائلا ان الفندق يعده بطريقة مدهشة، وجاء عامل الفندق بكوبين ممتلئين برغوة بيضاء عليها أشياء داكنة تشبه الحشرات الميتة.. كانت تلك اول مرة اسمع فيها بالكابوتشينو، وحسبته شيئا يؤكل، ولك ان تتخيل خيبة أملي فيه عندما اكتشفت انه مجرد قهوة بالزبادي.

طرحت السؤال الأول فكان رده: وات؟ ماذا؟ يعني لم يستمع لسؤالي الذي ظللت أُجري عليه البروفات لعدة ليال حتى تشككت زوجتي في قواي العقلية.. أعدت طرح السؤال فقاطعني وأجاب عليه جزئيا.. استفزني ذلك وهاجت جيناتي العربيقية، واجتماع الجينات العربية والأفريقية في شخص واحد تجعل منه قنبلة عنقودية انشطارية، وخضت في السؤال التالي، وحرصت على إفهامه بأنه أمام صحفي محنك مدرك لخبايا السياسة الدولية وصرت أبرطم وألِف وأدور، مستعرضاً ثقافتي وعضلاتي المعرفية، حتى نفد مخزوني من اللغة الانجليزية، وجلست انتظر الإجابة ولسان حالي يقول: يللا ورينا شطارتك... ولكن خيم على القاعة صمت تام.. وانتبهت الى ان المصور الذي معي يشير إلي محاولا لفت انتباهي الى أمر ما.. ثم أشار بيده مؤمئا نحو الوزير الأميركي بما يفيد بأنه نام.. استغرق مني طرح السؤال نحو خمس دقائق فنام المسكين، ووقعت في حيص بيص: هل أوقظ وزير خارجية أميركا؟ ما يصير! هل أعود الى الصحيفة خالي الوفاض؟ هذه فيها تفنيش او خصم من الراتب.. المصور كان أكثر مني ذكاء وأمطر وجه الوزير بالفلاش حتى استرد وعيه جزئيا، وألقيت عليه أسئلة مختصرة، وجاءت ردوده مبتسرة في جمل غير مفيدة، ونشرت المقابلة في اليوم التالي، فأرسلت السفارة الأميركية برقية تقول ان الحوار مفبرك، فأبرزت لإدارة الصحيفة التسجيل الصوتي وسردت عليهم واقعة نومه.. فقال رئيس التحرير قولته المشهورة: لو سمع السوفييت بقدراتك على تنويم الرجل الثاني في الحكومة الاميركية فسيعطونك وزنك ذهبا، ثم خاطبني بحزم: والله لو سمعت انك حاورت كومار راعي الكافتيريا سأدفع لك راتب سنة مقدما وأطالب بإبعادك من البلاد.